السبت، 24 يوليو 2021

46 - الصبر والإحسان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد تعلم الإيمان والعقيدة، وبعد الإيمان بالملة، لقد استلمت شهادتك وشهادتك هي: لا إله إلا الله. لقد كفرنا بالطاغوت. بعد أخذ الشهادة تعمل، حان الأوان أن تعمل على نفسك. ولكن قبل البدء في هذا العمل يجب أن تعلم ما هي النفس؟

النفس خداعة وعجولة وجزوعة، ولذا يجب ترويض هذه الصفات بالصبر، و 


﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر (3)


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ آل عمران (200)

أول الصفات التي يجب أن يكتسبها المؤمن في حياته الإيمانية هي الصبر، وهي صفة تكتسب بالتدريب المستمر، وبيقين اعتقاده بالآخرة، والمعرفة الحقيقية أن لا نهاية لصبره في هذه الدنيا حتى الموت.


﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ طه (132)

الإيمان العملي قائم على الصبر، وهذا الصبر يتجسد في شيئين : الأخلاق و العبادة، صبرك على السوء وثباتك على الإخلاق الإيمانية، وصبرك على العبادة والصلاة والمداومة عليها.


 نهايته هو الموت وليس في الدنيا. وهذا يحتاج إلى عزيمة، 

والنفس يمكن أن تخدعنا ونحن نسير في هذا الطريق، تذكر أنه لا أحد يحب الصبر.  


علينا أن نسيطر على هذه النفس العجولة في الأحكام، وعجولة في الفهم، وعجولة في الرغبة في رؤية النتيجة.


حتى أعلم هذه النفس الصبر، يجب أن أستلم نفسي كالطفل الذي يجب أن أعلمه، وذكرها أنها يجب أن تعلم الصبر. لأن دخول الجنة له ثمن وله عمل يجب أن يعمله المؤمن وكل منتجات هذا الإيمان مختصرة في الصبر والإحسان. 

أول شيء يحتاجه المؤمن في العبادة هو الصبر، عندما تبدأ في العبادة وتستقيم على العبادة لمدة يومين، قد تجد نفسك أنك لا تستطيع المقوامة والمواصلة، ولكن لن تستطيع أن تصل إلى الأشكال الإيمانية التي يتحدث عنها القرآن بدون الصبر، فإذا صبرت ستصل إلى الدرجة التي تتصور أنك لا تستيطع أن تصل إليها، مع النظر إلى أنه لا يوجد نجاح في أي عمل إلا بمشيئة الله عز وجل.

ادع  الله وأنت تعمل بالصبر، أن يصبرك ويربط على قلبك، لأن المشيئة بإذنه، تبدأ في الصبر حتى تصل إلى الإحسان، وتذكر أن أمد الصبر قليل جدًا بالنسبة لحياة الخلد، وتذكر أن أي أزمة ستخلص، أي صعوبة لتنتهي، وهؤلاء الصابرون جزاؤهم الجنة خلد، أما الذين في النار فسيصبرون غصبًَا عنهم على العذاب المقيم، لأنهم لم يصبروا الوقت القليل في هذه الحياة الدنيا. 

والآن قارن بين أن تصبر سنوات قليلة ومعدودة، أم أصبر على النار خلد، والذين دخلوا النار مشكلتهم أنهم لم يصبروا في الحياة الدنيا، لم يصبروا لا على العبادة ولا على الأخلاق. وعندما تصبر على الأخلاق فأنت على أمل، اصبر على اعتداء الناس واصبر عليهم، لا تضيع أخلاقك بسبب الأخلاق السيئة للناس. 

ادخل على الصلاة والعبادة على أساس الصبر على هذه الصلاة، وعدم اليأس، فالصبر والصلاة سيسندان بعضهما البعض، ( واستعينوا بالصبر والصلاة). عندما تنجح في الصبر على العبادة تعطيك على طاقة على الصبر على الأخلاق. 

ابدأ في النظر إلى الوقت بشكل دقيق، بأنك لا تريد أن تضيع أي دقيقة من دقائق الحياة بدون فائدة، اشغل نفسك بالعبادة لأنها هي مكسبك الكبير في هذه الدنيا، وخاطب نفسك وقل لها: لابد وأن أنجح في الصلاة. 

لا تتصور أنك عندما تكون لله في كل لحظة من حياتك أنك لن تعيش الدنيا، لن يتغير في مظهرك شيء غير أخلاقك الكبيرة، اطلع في الصلاة تدريجيًا إلى أن تصل إلى مقام العابدين. 

لا تنس أنك عبد لله، وحياتك كلها لله، أنت ليس لك شيء، أنت عليك لله، المعتقد أن لله وقت ولك وقت خاص لك يخرج عن العبودية، أو أن تعتقد أن لك جزء من المال ولله جزء آخر، هو خروج من عقيدة العبودية. 

تذكر أنك خليفة الله في الأرض، ولابد من الحصول على صفات هذه الخلافة، وأول تلك الصفات هي الصبر. وتذكر أن لحظة استقبال ملائكة الجنة للؤمنين يقولون لهم : ( سلام عليكم بما صبرتم). والصبر سنين معدودة في الحياة، يقابله مدة غير محدودة في الآخرة. 


أنواع الصبر 

الصبر ثلاثة: صبر على الأخلاق، وصبر على البلاء، وصبر على العبادة. ونبدأ في الحديث عن الصبر على الأخلاق، والذي يعني أن تكون على يقين في التعامل مع الناس بأن الله عز جل سيحكم يوم القيامة، 


الإحسان

لا تعمل شيء باستهتار، اعمله بإحسان، خصوصًا مع التعامل مع الله عز وجل، 


قول الله عز وجل (إنك لعلى خلق عظيم) ، يعني أنك على القرآن الكريم وعلى هذا الخلق العظيم. الله عز وجل يعد المؤمن أنه إن استمر على خلق القرآن فسيفصل بينه وبين الخبيث يوم القيامة. 


(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) الأعراف (40).

مطلوب من الإنسان الصبر والإحسان، حتى تصل إلى هذا المستوى، حتى يتم فصلك عن الخبيث. المؤمن الحقيقي هو الذي يصبر الصبر الجميل على الأخلاق السيئة. 

أول اثنين يجب أن يصبرا على نفسيهما هما الزوج والزوجة، مهما كانت أخلاق الزوج ومهما كانت أخلاق الزوج، فالصبر هو الذي سيفصل بين الخبيث والطيب. 


التواصي بالحق

لازم تحب الحق، تذكر أن أكثر الناس للحق كارهون، فما الذي يضيع الحق؟ هو الهوى، ولنتساءل: لماذا نكره الحق؟ لأن لينا هوى وهذا الهوى غالب علينا. 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء (135)


الصبر على البلاء 

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)) سورة البقرة 

الذين يبتليهم الله عز وجل ويصبرون فإن الله عز وجل يصل هؤلاء الصابرون هو وملائكته. 


هناك صبر آخر على الخيرات : 


أول صفة تبرزها هذه الآية هي الصبر: 

الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) (17)


اعبدني واصطبر على عبادتي ، اعمل بصبر مع الله، اصبر وعندك أمل بأن الله يصلح من حولك من أهلك: 
(
رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65))


التعامل في المنزل: لا توجد مثالية في الحياة الدنيا، على الزوج والزوجة أن يصطبرا على النقص والعيوب في كل واحد منهما 


أصل التطفيف الأنانية والاستكبار،


لقد اعتبر القرآن أن المطفف قد كفر بآيات الله. وعلينا أن نتطهر من الأنانية والاستكبار والحجب التي تحجبنا عن الحقيقة من الصفات الذميمة حتى نمس الكتاب ونشعر بحقيقة آياته.


ضع الحق في قلبك بحب، ولتعلم أن الناس تكره الحق بسبب استكبارهم وأنانيتهم




عدم حب التكرار في الموعظة مؤشر على كراهية الحق.

كيان الحياة مبني على الحق، فكل حركة من حركات الإنسان وكل نظرة وكل إشارة سيحاسب عليها بالحق. فلا تكره الحق، ولا تحيد عنه.


(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (188) سورة النساء

يحذرنا الله عز وجل من أن نستهين في حقوق بعضنا البعض، حتى وإن كان التعامل مع الزوجين، فلكل واحد منهما له ذمة مالية، ويجب عدم الاعتداء.


(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (49)

يجب أن نفعل هذه المعاني في قلوبنا، هناك ستكون المفاجئة الكبرى، أن كل صغير وكبير موثق في كتاب، فهاي الفرصة بين أيدينا قبل الرحيل من هذه الدنيا.


لنتذكر أننا خرجنا من الحرية التي خدعنا بها الشيطان، ودخلنا في عبودية الله، أي أن لنا سيد ولهذا السيد له قوانين، وهذه القوانين دين على العبد يجب أن يوفيه لسيده.