السبت، 23 أكتوبر 2021

48- اللغو

 اللغو 

اللغو ليست كلمة عابرة في القرآن الكريم، وليست كلمة سطحية، وإنما مشكلة يقع فيها الإنسان فيخسر كثير من القيم التي يسعى لتحقيقها في الفترة الزمانية التي أتيحت له في هذه الدنيا. 

اللغو قد يكون في الكلام، وأوله الكلام الزائد الذي لا لزم له، والكلام الزائد شهوة عند الإنسان، فنحن نتكلم كثيرًا وفي مواضيع كثيرة وبلا فائدة، وهذا في النهاية يقودنا ذلك الحديث الزائد للوقوع في الذنوب، فاللغو قد يحوي الغيبة وتناول الناس، وقد يدخلنا في الخوض فيما لا فائدة منه.

الذين يعيشون التفاخر والتباهي إنما يمارسون ذلك اللغو من أجل أن يحققوا صورة مبهرة أمام الآخرين، وكلامهم عن أنفسهم يدور حول إظهار ما يملكون من مواهب مختلفة أو قدرات مادية متنوعة، والعيش في خضم أجواء كهذه تقود الإنسان إلى الوقوع في ذات المشكلة، فيسارع في الكثرة ويقع في أمراض العلو والتفاخر بممتلكات الحياة الدنيا. 

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ سورة الحديد (20)


المؤمن لا يحب تضييع الوقت، والله عز وجل قال بأنه لا يوجد في الجنة لغوًا، واللغو هو أبرز ملامح تضييع الوقت في القول والفعل، وقد قرن اللغو بالإثم والكذب والاعتداء : 

﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ ﴾ الطور (23)

﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً ﴾ الواقعة (25)

﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ مريم (62)

﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً ﴾ النبأ (35)

🔹 لنتذكر أن الوقت سينفذ منا يومًا، وأن اللغو من مهدرات الوقت، لأنه يسرق الوقت دون أن نشعر ومن دون أن نرجع بالفائدة بل قد يكسبك السيئات ويدخلك في كلام لا يرضي الله عز وجل. 



الزمان والإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالْعَصْرِ ۝  إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝  إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر (1) - (3)

1- ما هو الزمن؟ 

بقليل من التأمل يمكننا أن ندرك أن الحاضر الذي نعيشه ماهو إلا ثانية، الثانية هي ذلك الجزء من ستين جزء من الدقيقة، تأمل كم نستغرق من الوقت حين نقول: "سبحان الله"، أو "الحمد لله" ؟ هي ثانية، عند انتهاء هذه الثانية تتحول إلى ماضٍ وينتهي معها الحاضر، وعندما تأتي ثانية أخرى جاء حاضر آخر. 


الحاضر هو شيء يأتي من المستقبل، وبعد ثانية واحدة، يتحول إلى ماضي، وهكذا، ويمكننا بهذا التأمل أن ندرك أن الوقت الحاضر إنما هو ثانية نعيشها، الحاضر هو اللحظة التي نعيشها ولا تستغرق أكثر من طرفة عين.


يمكن وصف الوقت المتاح لنا، على أنه كمية من الماء مخزونة في قارورة، هذه القارورة هي المستقبل، ينزل منها الماء بالتنقيط المنتظم ليمر في الفضاء، ذلك الفضاء هو الحاضر ثم تستقر في قارورة أخرى هي بمثابة الماضي. 

نحن لا نعلم كم هو المخزون لنا في قارورة المستقبل؟وكم سيستمر هذا العطاء؟ ذلك في عالم الغيب. كل ثانية تمر علينا هي في فرصة جديدة ووقت جديد يمكن استغلاله لكي تصب في صالحنا ولكي نضمن المزيد من النقاط المؤهلة للنجاح في اختبار الآخرة. 


إننا في الواقع لا نعيش الحاضر إلا ثانية لأن ما نعيشه من الوقت يأتي من المستقبل ويذهب إلى الماضي مباشرة خلال هذه الثانية، والوقت يموت في لحظة وصوله لنا، إذًا رصيدنا هو المستقبل الغائب عنا والذي لا نعلم كميته.

 

الثانية التي هي جزء من ستين جزء من الدقيقة، وهو ما يمكننا إدراكه بحواسنا، وإلا فهناك حقيقة للوقت أقل وأدق من ذلك، فسرعة السيالات العصبية للإنسان تعادل جزء من عشرة آلاف جزء من الثانية، ولا يمكننا إدراك هذا الوقت القصير جدًا والذي تنتقل فيه هذه السيالات من الدماغ إلى أجزاء الجسم المختلفة، وهذا ما لا ندركه بحواسنا نحن.


لقد أتيحت للمؤمن فترة زمانية هو مدة حياته في هذه الدنيا قبل أن ينقل إلى دار الآخرة، وقد بين القرآن الكريم هدف هذه الفترة هو تحصيل الملكات المؤهلة لدخول الجنة، هي فترة تحديد خاتمة ونهاية وعاقبة الإنسان في دار الآخرة، ولهذا يوضع المؤمن في فترة لتأهيل نفسه لدخول ذلك العالم، وعليه تكون كل ساعة وكل دقيقة من دقائق هذه الحياة ثمينة بمقدار ثمن تلك الخاتمة وتلك العاقبة. 

كل شيء ينفذ يمكن استعادته بالجهد، كالمال والنفوذ والسلطة وماشابه، الشيء الوحيد الذي ينفذ رصيده بلا رجعة هو الوقت، والمؤمن الحق يعيش هذه المعرفة في قلبه، ويعيشها في سلوكه وحركاته، وليست مجرد معلومة مخزونة في دماغة وحسب. وعليها هو يستغل كل لحظة من أجل الزيادة في رصيده الأخروي، ولا يدع فرصة للصوص الوقت أن يتسللوا إلى حياته. على هذا الأساس نريد أن نتعلم كيف يمكن أن نستغل الوقت استغلالًا حقيقيًا كما يليق بمؤمن تعلم من القرآن حقيقة الحياة الدنيا، ولا يريد أن يهدر هذا المورد الهام في حياته. 


2- الوقت من ذهب؟

بعد أن ندرك أهمية الوقت، وقيمته الحقيقية بالنسبة للإيمان، يبقى أن ننظم هذا الوقت، أن نحاسب أنفسنا على أساس إيماننا الجاد بالآخرة ومافيها من نعيم مقيم، وعذاب لا يزول، ثم نشدد الرقابة على أنفسنا في كل موقف، حتى نرشّد عملية اهلاك هذا الوقت، ونوقف اهداره ونوجهه في صالح إيماننا. 

أولًا نبدأ بالنظر إلى مواطن الهدر،  ومن ثم نعترف بأخطائنا بأننا نمارس تضييع الوقت في الخسارة في ذلك الجانب، ثم ننتقل إلى المحاسبة والتذكير بأننا سناحسب يوم القيامة على هدر الوقت فيما لا ينفع، وسنقف بين يدي الله لنسؤل عن أعمارنا فيما أفنيناها؟ ثم نذكر أنفسنا ونصر عليها على التغيير ونذكرها أن لدينا الفرصة لكسب الكثير للآخرة.

حياتنا الدنيا أصبحت كثيرة الرفاهية إلى درجة البطر، وهذه الرفاهية تسحبنا - مع الغفلة والافتتان بها - إلى مزيد من خسارة الوقت والمال، فالملهيات كثيرة وتسرق منا وقتنا دون أن نشعر، والمغريات تحوطنا من كل جانب وتنهب من أموالنا فيما لا فائدة منه لنخسر إنفاق النعيم الأخروي الحقيقي. 

درّب نفسك على المحاسبة في نهاية كل يوم، هناك من المؤمنين من وصل بهم الحرص إلى أن يحاسب نفسه بالورقة والقلم ليحاصر مواطن استنزاف الوقت والمال في غير مشروعه الأخروي، ومن أجل أن يوقف نفسه على مواطن خطأها وهدرها للوقت وتبذيرها في الأموال.  

يمكننا أن نشبه نزولنا في هذه الحياة الدنيا كمن نزل في واد من الذهب، ثم قيل له لديك ساعة من الآن لجمع ما تستطيع جمعه، ثم تخرج، فهل تتصور أن هذا الإنسان سيتكاسل، أو سيشعر بالملل أو السأم وهو يجمع قطع الذهب التناثرة بين يديه؟! ذلك لن يكون، لأنه يعلم بأنه مهما كان وضعه خلال هذه الساعة من سأم أو إرهاق، فإنها إنما هي ساعة ثم تنقضي، فلتنقضي على كل حال ثم يظفر بعدها بسعادة ما جمعه من أموال. 



3- التوبة والتغيير

المؤمن يفهم أنه يتعامل مع الله في الوقت، وأن تسويف التوبة من الممكن أن يخسره التوبة، فلا أحد يمكن أن يسبق الله عز وجل في إرادته، فقد يبني المذنب أمره على أنه سيتوب في يوم من الأيام من غفلته ومن معاصيه، ولكن الذي لا يعلمه هو أن أحدًا لن يسبق الله في إرادته، فالتهاون في التوبة السريعة قد يغلق عليه بابها، فلن يتمكن من دخول الباب بعد ذلك مهما طال به العمر، فاللعب في الوقت خطير في أمر التوبة.  

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ العنكبوت (4)

أول ما يمكن أن نغيره في واقعنا الإيماني العملي هو زيادة الذكر ودوام التسبيح، والمواصلة فيه باللسان وبالقلب، الذكر هو الصلاة في أبسط صورها، ويمكن ممارسة هذه العبادة على كل حال من أحوال الإنسان، وفي هذا الذكر الخير الكثير للإنسان في زيادة الحسنات والتقرب لله ولأخذ المزيد من الطاقة في مقاومة النفس والشيطان والأهواء والشهوات. 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ۝  وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ۝  هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾ الأحزاب (41) - (43)

ثم النظر بعد ذلك إلى قيمة السجدة، فلو تخيلنا أن للسجدة الواحدة قيمة مادية، فكم هي قيمة الدقيقة الواحدة من السجود في الآخرة بحسابات الدنيا؟ ولو تصورنا ذلك جيدًا فهل سنفوت فرصة يمكننا أن نسجد فيها ونتركها؟! أم أننا سنستغل أقرب فرصة لكي تلامس جباهنا الأرض، ولكي نذكر الله أكبر وقت ممكن؟!

﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ۝  يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ آل عمران (113) - (114)

اقرأ القرآن كثيرًا واسمعه كثيرًا، وتذكر نعم الله في هذا الزمان الذي جعل القرآن متوافرًا في كل الوسائل المقروءة والمسموعة والمشاهدة، وبكل الأشكال التي ترغّب الإنسان في القراءة والسمع والتأمل والتدبر، اسمع القرآن بكثرة فكل ماتسمعه سيخرج لك بالخير، القرآن كالبحر الذي لا نهاية له. 

توجه للصلاة، واسأل نفسك، كيف هي الصلاة التي يريدها الله منا؟ والتي يرتضيها من عباده؟ انظر لها في آيات القرآن الكريم، ثم انظر إلى الفترة من الزمان التي تحتاجها من أجل الوصول لذلك المستوى المطلوب،  إنها تحتاج إلى وقت في التدرج للوصول لها، 

❓ فهل بدأت من الآن؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق